فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الوجه الثاني: أن المنافقين إذا ألقوا هذه الشبهة إلى إخوانهم تثبطوا عن الغزو والجهاد وتخلفوا عنه، فإذا اشتغل المسلمون بالجهاد والغزو، ووصلوا بسببه إلى الغنائم العظيمة والاستيلاء على الاعداء.
والفوز بالأماني، بقي ذلك المتخلف عند ذلك في الخيبة والحسرة.
الوجه الثالث: أن هذه الحسرة إنما تحصل يوم القيامة في قلوب المنافقين إذا رأوا تخصيص الله المجاهدين بمزيد الكرامات واعلاء الدرجات، وتخصيص هؤلاء المنافقين بمزيد الخزي واللعن والعقاب.
الوجه الرابع: أن المنافقين إذا أوردوا هذه الشبهة على ضعفة المسلمين ووجدوا منهم قبولا لها، فرحوا بذلك، من حيث أنه راج كيدهم ومكرهم على أولئك الضعفة، فالله تعالى يقول: أنه سيصير ذلك حسرة في قلوبهم إذا علموا أنهم كانوا على الباطل في تقرير هذه الشبهة.
الوجه الخامس: أن جدهم واجتهادهم في تكثير الشبهات وإلقاء الضلالات يعمي قلوبهم فيقعون عند ذلك في الحيرة والخيبة وضيق الصدر، وهو المراد بالحسرة، كقوله: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125].
الوجه السادس: أنهم متى ألقوا هذه الشبهة على أقوياء المسلمين لم يلتفتوا إليهم فيضيع سعيهم ويبطل كيدهم فتحصل الحسرة في قلوبهم.
والقول الثاني في تفسير الآية: أن اللام في قوله: {لِيَجْعَلَ الله} متعلقة بما دل عليه النهي، والتقدير: لا تكونوا مثلهم حتى يجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم، لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادتهم مما يغيظهم. اهـ.

.قال الألوسي:

وذكر القلوب مع أن الحسرة لا تكون إلا فيها لإرادة التمكن والإيذان بعدم الزوال. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ}:

.قال الفخر:

فيه وجهان:
الأول: أن المقصود منه بيان الجواب عن هذه الشبهة، وتقريره أن المحيي والمميت هو الله، ولا تأثير لشيء آخر في الحياة والموت، وأن علم الله لا يتغير، وأن حكمه لا ينقلب، وأن قضاءه لا يتبدل، فكيف ينفع الجلوس في البيت من الموت؟
فإن قيل: إن كان القول بأن قضاء الله لا يتبدل يمنع من كون الجد والاجتهاد مفيدا في الحذر عن القتل والموت، فكذا القول بأن قضاء الله لا يتبدل وجب أن يمنع من كون العمل مفيدا في الاحتراز عن عقاب الآخرة، وهذا يمنع من لزوم التكليف، والمقصود من هذه الآيات تقرير الأمر بالجهاد والتكليف، وإذا كان الجواب يفضي بالآخرة إلى سقوط التكليف كان هذا الكلام يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلا.
الجواب: أن حسن التكليف عندنا غير معلل بعلة ورعاية مصلحة، بل عندنا أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
والوجه الثاني: في تأويل الآية: أنه ليس الغرض من هذا الكلام الجواب عن تلك الشبهة بل المقصود أنه تعالى لما نهى المؤمنين عن أن يقولوا مثل قول المنافقين، قال: {والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ} يريد: يحيي قلوب أوليائه وأهل طاعته بالنور والفرقان، ويميت قلوب أعدائه من المنافقين. اهـ.

.قال الطبري:

يعني جل ثناؤه بقوله: {والله يحيي ويميت} والله المعجِّل الموتَ لمن يشاء من حيث يشاء، والمميت من يشاء كلما شاء، دون غيره من سائر خلقه.
وهذا من الله عز وجل ترغيبٌ لعباده المؤمنين على جهاد عدوه والصبر على قتالهم، وإخراج هيبتهم من صدورهم، وإن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله وإعلامٌ منه لهم أن الإماتة والإحياء بيده، وأنه لن يموت أحدٌ ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كتب له ونهيٌ منه لهم، إذ كان كذلك، أن يجزعوا لموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله يُحْيىِ وَيُمِيتُ} ردّ لقولهم الباطل إثر بيان غائلته أي والله هو المؤثر الحقيقي في الحياة والممات وحده لا الإقامة أو السفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي مع اقتحامهما موارد الحتوف ويميت المقيم والقاعد وإن كانا تحت ظلال النعيم، وليس المراد أنه تعالى يوجد الحياة والممات وإن كان هو الظاهر لأن الكلام ليس فيه ولا يحصل به الرد وإنما الكلام في إحداث ما يؤثرهما، وقيل: المراد أنه تعالى يحيي ويميت في السفر والحضر عند حضور الأجل ولا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر، ولا راد لما قضى ولا محيص عما قدر، وفيه منع المؤمنين عن التخلف في الجهاد لخشية القتل والواو للحال فلا يرد أنه لا يصح عطف الأخبار على الإنشاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}:

.قال الفخر:

المقصود منه الترغيب والترهيب فيما تقدم ذكره من طريقة المؤمنين وطريقة المنافقين. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ترغيب في الطاعة وترهيب عن المعصية أو تهديد للمؤمنين على أن يماثلوا الكفار لأن رؤية الله تعالى كعلمه تستعمل في القرآن للمجازاة على المرئي كالمعلوم، والمؤمنون وإن لم يماثلوهم فيما ذكر لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة غير عاصم يعملون بالياء، وضمير الجمع حينئذٍ للكفار، والعمل عام متناول للقول المذكور ولمنشئه الذي هو الاعتقاد الفاسد ولما ترتب على ذلك من الأعمال ولذلك تعرض لعنوان البصر لا لعنوان السمع؛ وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة وكذا تقديم الظرف. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {يردوكم على أعقابكم} أي يرجعوكم من الإيمان إلى الكفر وهو من باب (الإستعارة)، شبه ارتدادهم عن الدين، بمن رجع إلى الخلف.
2- بين لفظ {آمنوا} و{كفروا} في الآية طباق وكذلك بين {يخفون} و{يبدون} وبين {فاتكم} و{أصابكم} وهو من المحسنات البديعية.
3- {وبئس مثوى الظالمين} لم يقل وبئس مثواهم، بل وضع الظاهر مكان الضمير، للتغليظ وللإشعار بأنهم ظالمون أشد الظلم والمخصوص بالذم محذوف أي بئس مثوى الظالمين النار.
4- {ذو فضل على المؤمنين} التنكير للتفخيم وقوله: {على المؤمنين} دون عليهم، فيه الإظهار في موضع الإضمار للتشريف والإشعار بعلة الحكم.
5- {يظنون بالله...} {... ظن} بينهما جناس الاشتقاق وكذلك في {فتوكل...} و{...المتوكلين}
6- {إذا ضربوا في الأرض} فيه استعارة لطيفة، تشبيها للمسافر بالسابح الضارب في البحر، لأنه يضرب بأطرافه في غمرة الماء، شقا لها واستعانة على قطعها. اهـ.

.سؤالان وجوابان:

السؤال الأول: فإن قيل: فلماذا ذكر بعض الضرب في الأرض الغزو وهو داخل فيه؟
قلنا: لأن الضرب في الأرض يراد به الابعاد في السفر، لا ما يقرب منه، وفي الغزو لا فرق بين بعيده وقريبه، إذ الخارج من المدينة إلى جبل أحد لا يوصف بأنه ضارب في الأرض مع قرب المسافة وإن كان غازيا، فهذا فائدة إفراد الغزو عن الضرب في الأرض. اهـ.
السؤال الثاني: فإن قيل: الصادر منهم كان قولًا مسموعًا، لا فعلًا مَرْئِيًّا، فلِمَ علَّقه بالبصر دون السمع؟
فالجوابُ: قال الراغبُ: لما كان ذلك القول من الكفار قصدًا منهم إلى عمل يحاولونه، خص البصر بذلك، كقولك- لمن يقول شيئًا، وهو يقصد فعلًا يحاوله-: أنا أرى ما تفعله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِذَا ضَرَبُواْ} {إذا} ظرف مستقبل، فلذلك اضطربت أقوالُ المعربين- هنا- من حيثُ إن العامل فيها {قَالُواْ}- وهو ماضٍ- فقال الزمخشريُّ: فإن قُلْتَ: كيف قيل: {إِذَا ضَرَبُواْ} مع {قالوا}؟ قلت: هو حكاية حال ماضية، كقولك: حين يضربون في الأرض.
وقال أبو البقاء بعد قول قريب من قول الزمخشريِّ: ويجوز أن يكون {كَفَرُواْ} و{قَالُواْ} ماضيين، يُراد بهما المستقبل المحكي به الحال فعلى هذا يكون التقدير: يكفرون، ويقولون لإخوانهم. انتهى.
ففي كلا الوجهين حكاية حال، لكن في الأول حكاية حال ماضية، وفي الثاني مستقبلة، وهو- من هذه الحيثية- كقوله تعالى: {حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [البقرة: 214]. ويجوز أن يراد بها الاستقبال، لا على سبيل الحكاية، بل لوقوعه صلة لموصول، وقد نصَّ بعضهم على أن الماضي- إذا وقع صلة لموصول- صلح للاستقبال، كقوله: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34]. وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ، وقال: دخلت إذا وهي حرفُ استقبالٍ- من حيثُ الذين اسم فيه إبهام، يعم مَنْ قال في الماضي، ومَنْ يقول في الاستقبال، ومن حيثُ هذه النازلة تتصور في مستقبل الزمان يعني: فتكون حكاية حالٍ مستقبلة.
قال ابن الخَطِيبِ: إنما عَبَّرَ عن المستقبل بلفظ الماضي لفائدتين:
إحداهما: أن الشيء الذي يكون لازم الحصول في المستقبل، قد يُعَبَّر عنه بأنه حَدَث، أو هو حادث، قال تعالى: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] فهنا لو وقع التعبير عنه بلفظ المستقبل لم يكن فيه ذلك المعنى، فلما وقع التعبير عنه بلفظ الماضي، دلَّ على أن جِدَّهم واجتهادهم في تقرير الشبهة قد بلغ الغاية، فصار بسبب ذلك الجد، هذا المستقبل كالواقع.
الثانية: أنه- تعالى- لما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي، دلَّ ذلك على أنه ليس المقصود الأخبار عن صدور هذا الكلام، بل المقصود الأخبار عن جِدِّهم واجتهادهم في تقرير هذه الشُّبْهَةِ.
وقدَّر أبو حيّان: مضافًا محذوفًا وهو عامل في إذا تقديره: وقالوا لهلاك إخوانهم، أي: مخافة أن يهلك إخوانهم إذا سافروا، أو غَزَوْا، فقدَّر العامل مصدرًا مُنْحَلًا لِأن والمضارع، حتى يكون مستقبلًا، قال: لكن يكون الضمير في قوله: {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا} عائدًا على {لإِخْوَانِهِمْ} لفظًا، وعلى غيرهم معنى- أي: يعود على إخوان آخرين، وهم الذين تَقَدَّمَ موتُهم بسبب سفرٍ، أو غزو، وقَصْدُهُمْ بذلك تثبيطُ الباقين- وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] وقول العربِ: عندي درهم ونِصْفُه.
وقول الشاعرِ: [البسيط]
قَالَتْ: ألاَ لَيْتَما هَذَا الحَمَامُ لَنَا ** إلَى حَمَامَتِنَا، أو نِصْفُهُ فَقَدِ

المعنى: من معمر آخر، ونصف درهم آخر، ونصف حمام آخرَ.
وقال قُطربٌ: كلمة إذ وإذا يجوز إقامة كل واحد منهما مُقَامَ الأخْرَى، فيكون إذا هنا بمعنى إذ.
قال بعضهم: وهذا ليس بشيء.
قال ابن الخَطِيبِ: أقول: هذا- الذي قاله قُطْرُبٌ- كلامٌ حسنٌ، وذلك لأنا جوَّزْنا إثبات اللغة بشعرٍ مجهولٍ، فنقول عن قائل مجهول، فلأنْ يُجَوَّزَ إثباتها بالقرآن العظيم كان ذلك أولى، أقصى ما في الباب أن يقال: إذا حقيقة في المستقبل، ولكن لم لا يجوز استعماله في الماضي على سبيل المجازِ، لما بينه وبين كلمة إذ من المشابهة الشديدة، وكثيرًا أرى النحويين يتحيَّرون في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريره ببيت مجهولٍ فَرِحوا به، وأنا شديدُ التعجُّب منهم؛ فإنهم إذا جعلوا ورودَ القرآنِ به دليلًا على صحته كان أولى.
قوله: {أَوْ كَانُواْ غُزًّى}- بالتشديد- جمع غازٍ- كالرُّكَّع والسُّجَّد- جمع راكع وساجد- وقياسه: غُزَاة كرام ورُمَاة- ولكنهم جملوا المعتل على الصحيح، في نحو ضارب وضُرَّب، وصائم وصُوَّم.
وقال الزَّهريُّ والحسنُ {غُزًى} بالتخفيف وفيها وجهانِ:
الأول: أنه خفف الزاي، كراهية التثقيل في الجمع.
الثاني: أن أصله: غُزاة- كقُضاة ورُماة- ولكنه حذف تاء التأنيث؛ لأن نفس الصيغة دالَةٌ على الجمع فالتاء مُستغنًى عنها.
قال ابنُ عَطِيَّةَ: وهذا الحذفُ كثيرٌ في كلامهم.
ومنه قول الشاعر يمدح الكسائِي: [الطويل]
أبَى الذَّمَّ أخْلاَقُ الْكِسَائِيِّ، وَانْتَحَى ** بِهِ المَجْدُ أخْلاَقَ الأبُوِّ السَّوابِقِ

يريد: الأبُوَّة- جمع أب- كما أن العمومة جمع عم، والبُنُوَّة جمع ابن وقد قالوا: ابن، وبنو.
ورد عليه أبو حيّان بأن الحذف ليس بكثير، وأن قوله: حذف التاء من عمومة، ليس كذلك، بل الأصل: عموم- من غير تاء- ثم أدخلوا عليها التاء لتأكيد الجمع، فما جاء على فعول- من غير تاء- هو الأصل، نحو: عموم وفحول، وما جاء فيه التاء، فهو الذي يحتاج إلى تأويله بالجمع، والجمع لم يُبْنَ على هذه التاء، حتى يُدَّعَى حَذْفُها، وهذا بخلاف قُضَاة وبابه؛ فإنه بني عليها، فيمكن ادعاء الحذف فيه، وأما أبوة وبُنوة فليسا جَمْعَيْن، بل مصدرين، وأما أبُوّ- في البيت- فهو شاذّ عند النحاة من جهة أنه من حقِّهِ أن يُعلَّه، فيقول: أبَيّ بقلب الواوين ياءين، نحو: عُصِيّ، ويقال غُزَّاء بالمد أيضا، وهو شاذ.
فتحصَّل في غازٍ ثلاثة جموع في التكسير: غُزَاة كقُضاة، وغُزًى كصوَّم، وغُزَّاء كصُوَّام، وجمع رابع، وهو جمع سلامة، والجملة كلُّها في محل نصب بالقول.
قال القرطبيُّ: والمغزية: المرأة التي غزا زوجها، وأتانٌ مُغْزِية: متأخِّرةُ النِّتَاجِ، ثم تنتج وأغْزَت الناقة إذا عسر لِقَاحُها، والغَزْو: قصد الشيء، والمَغْزَى: المَقْصِد، ويقال:- في النسب إلى الغزو: غَزَوِيّ.
قوله: {لِيَجْعَلَ الله} في هذه اللام قولان:
قيل: إنها لام كي.
وقيل: إنها لام العاقبة والصيرورة، فعلى القول الأول في تعلُّق هذه اللام وجهانِ:
فقيل: التقدير: أوقع ذلك- أي: القول، أو المعتقد- ليجعله حَسْرَةً، أو ندمَهم، كذا قدره أبو البقاء وأجاز الزمخشريُّ أن تتعلق بجملة النفي، وذلك على معنيين- باعتبار ما يراد باسم الإشارة.
أما الاعتبار الأول، فإنه قال: يعني لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعله اللهُ حَسْرةً في قلوبكم خاصَّةً، ويصون منها قلوبكم، فجعل ذلك إشارة إلى القول والاعتقاد.
وأما الاعتبار الثاني فإنه قال: ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلَّ عليه النَّهْيُّ، أي: لا تكونوا مثلهم؛ ليجعلَ اللهُ انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم؛ لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون مما يغمُّهم ويغيظهم.
وردّ عليه أبو حيان المعنى الأول بالمعنى الثاني الذي ذكره هو، فقال- بعد ما حكى عنه المعنى الأول: وهو كلام شيخ لا تحقيق فيه؛ لأن جَعْلَ الحسرة لا يكون سببًا للنهي، إنما يكون سببًا لحصول امتثال النهي، وهو انتفاء المماثلة، فحصول ذلك الانتفاء والمخالفة فيما يقولون ويعتقدون، يحصل عنه ما يغيظهم ويغمهم، إذ لم توافقهم فيما قالوه واعتقدوه، لا تضربوا في الأرض ولا تغزو، فالتبسَ على الزمخشريِّ استدعاء انتفاء المماثلة لحصول الانتفاء، وفَهْم هذا فيه خفاءٌ ودقةٌ.